ماذا تعرفين عن الجندرة و اختلاف الأدوار حسب الجنس؟



حسنا، ماذا عن الحرمان الذي عانيته من حقي في اللعب خلال سنوات عمري الأولى؟ أليس من حقي كطفلة اكتشاف عالمي وإدراكي من خلال اللعب خارجا ونيل بعض المرح؟ لم كان علي أن أحرم من ذلك فقط لأنني ولدت بعُضو تناسلي مختلف عن الذكور وبدافع أنني يجب علي تعلّم بعض المهام حتى أصير ربة بيت جيدة؟ أليس من الانساني أن أحظى ببعض الاحترام والأمان؟ ماذا عن التمييز الذي عانيت منه في أول أيام عمري في البيت والمدرسة؟ لم كل هذا التهكم؟ لم علي دائما أن أكون تابعة لأحد الذكور؟ إما ابنة أو زوجة أو أختا فيقرر مصيري على أيدي هؤلاء بلا أدنى اعتبار لكياني وما أريد وأحتاج؟ لم كل محاولات الإقصاء هاته لكياني الخاص ولحريتي في الاختيار؟ على أي أساس أحرم من حقوقي كإنسان سوي كامل؟ 

لا بد وأن كل أنثى عربية كانت أو غربية، وجدت نفسها يوما في موقف ما قد حفز كل هذا السيل المنهمر من التساؤلات في فِكْرِها، ثم دفعها للتفكير في إجابات. ذلك أن المجتمعات كافة بشكل عام تنبني على أساس مجموعة من الأفكار والمعتقدات التي تحدد الأدوار بين الجنسين، وهي غالبا ما تكون مجحفة في حق جنس دون الآخر. البحث عن إجابات لهاته الأسئلة ليس بالشيء السهل لكنه أمر يسهل الوصول إاليه. وفي ظل ما أثير من جدل مؤخرا بخصوص هذا الموضوع, هذا المقال سيعمل على توضيح بعض الالتباسات وعرض بعض الحقائق. 

في دراسة معمقة قامت بها أوزولا شوي في طرح الفروق بين الجنسين، توضح أن الفرق في الأدوار والصفات بين الجنسين ليس له أصل طبيعي حَتما، بل هو أكثر ما يكون أصل اجتماعي معتمد. فحسب أوزولا شوي، إن الصبي والأنثى يولدان متساويان بلا أي اختلافات في السلوكات، لكن مع مرور الوقت، يبدأ المجتمع في تعزيز الاختلافات عبر توجيه قوالبهم الجنسانية عن طريق وضع اختلافات في المداعبة واللعب والإثارات الحسية. ثم يبدأ بعدها التمييز على أساس اعتبار أدوار الأنثى والذكر. تقول أوزولا شوي بأن المجتمع هو ما يصنع الفرق عبر تحديد إمكانية كل جنس على حدة ولكن بتضييق دائرة إمكانات الأنثى بشكل خاص أكثر. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يقوم المجتمع بالتفريق بين الألعاب المخصصة للأنثى والذكر، حيث يجب أن يلعب الصبي بألعاب السيارات والبناء وغيرها من الألعاب التكتيكية المعززة للذكاء والابتكار، في حين تقتصر ألعاب الأنثى على عرائس البحر والدمى والمطابخ المصغرة المعززة لإمكاناتها العاطفية وقدراتها على خدمة البيت وترتيبه. ومثل هاته الصور الاجتماعية النمطية والتوجيهية التي يتلقاها الصِّبية والفتيات عبر كل مراحل تطورهم ونموهم، يتعزز الجنس الذي حدده المجتمع سابقا، فيدعم الدور وتثبت القاعدة. 

يذهب مؤسس علم النفس التحليلي سيجموند فرويد Sigmund Freud في نفس الطرح، فيقرر بأن الفروقات الجنسانية وأدوار الجندرة ليست بنتيجة طبيعية حتمية، بل هي نتيجة توجيه اجتماعي وثقافي معتمد. فالمجتمع هو ما يصنع هاته الفروقات، وليس الطبيعة. 
ومن المعروف منذ قدم الإنسان والتاريخ، أن إشكالية السلطة والجنسين لطالما كانت مطروحة بقوة في المجتمعات. فبتوالي القرون، توالت المجتمعات البطريركية و المجتمعات المتريركية، لكنه في ظل كل ما عايشه المجتمع المعاصر من تطور في كل المجالات، أصبح لا بد من إيجاد حل وسط أكثر مسايرة للوضع وأكثر عصرنة. 

المجتمعات البطريركية هي المجتمعات القائمة على سلطة الرجل الأكبر سنّا على نساء ورجال الأسرة الأصغر سنّا. بحيث يعتبر هو المزود الأول للطعام والأشياء المادية وهذا ما يعطي لسلطته تلك الشرعية والتعزيز. أما في ظل المجتمعات المتريركية، فإن السلطة تقترن بالمرأة التي فاقت قدراتها قدرة الرجل في الصيد وإيجاد الطعام للأسرة مما أكسبها سلطوية حتمية. يقترن مفهوم السلطة إذن في الوسط الأسري والاجتماعي بالقدرة المالية والتحصيل المادي. الأمر الذي سيعزز أكثر واقع أن الفتيات والنساء عامة أصبحن أكثر تصميما على الاستقلال المادي والفكري وذلك كمحاولة منهن ليس لأن يكن في موضع سلطة، لكن ليكن في موضع أمن من سلطوية الرجل الذكورية وغطرسته. النساء اليوم أصبحن أكثر قدرة على الاعتماد على أنفسهن للاختيار وصنع قرارات تخصهنّ، لسن مرغمات على الخضوع للذكر بعد الآن أو أن يكُنّ تابعات للرجل لمجرد أنه ذو دخل مادي.

في هذا الطرح، و في ظل ما أصبحت عليه النساء من استقلالية فكرية ومادية، وجب على الرجل والمجتمع أيضا تغيير نظرته الدونية للمرأة وتجديد معتقداته. وجب على الرجل التخلي عن سلطويته وغطرسته والسعي إلى تحقيق وصل من التساوي والعدل في طريقة تعامله مع المرأة وطريقة تدبيره للأسرة أيضا. أصبح المجتمع أَحوج ما يكون إلى تغيير الفكرة النمطية للزواج والأدوار بين الجنسين بأخرى أكثر انفتاحا على واقع الأدوار المعاصرة التي يتساوى فيها الرجل والمرأة بعدل دون إفراط أو تفريط. 

وليس الأمر أن ذلك قد يعني العداوة بين كلا الجنسين، فسعي الفتيات إلى الاستقلال المادي لا علاقة له بكره الرجال، بل له علاقة بخلق فرص أخرى للأمان والعدل الاجتماعي والنجاة من الاستغلال والاستبداد. إن الوقت الحالي يفرض علينا جميعا تغيير فكرة الزواج النمطية التي اختصرت في رجل يعمل خارجا من أجل توفير الاحتياجات المالية وامرأة تعمل داخل البيت ليل نهار من أجل تلبية حاجيات زوجها وطاعته في كل شيء بلا نقاش أو سؤال، يجب تغييرها بأخرى أكثر عصرنة. يجب تغييرها بفكرة أن المؤسسة الزوجية أصبحت تضم طرفين اثنين متساويين في الحقوق والواجبات بعدل يقومان على توفير احتياجات بعضهما البعض، مساندة مسيرة بعضهما البعض المهنية، واحترام آراء واختيارات بعضهما البعض في جو أكثر انفتاحا وأكثر تفهما داع للانتماء. ليس هذا بالمطلب الكبير، لكنه قد يحدث تغييرا إيجابيا جدا في المجتمع ويحد من الكثير من إشكاليات الزواج والطلاق.

بقلم : فاطمة الزهراء ولدجدة 

أكتب تعليقا

أحدث أقدم