هل حقا تظُنّ أنك تملك حرية إتخاذ قراراتك؟ أم أنك فقط تعي بذلك.

هل حقا تظُنّ أنك تملك حرية إتخاذ قراراتك؟ (الجزء الأول) 



قد لا تكون حرية الإرادة إلا وهمًا، والخيارات التي نعتقد أنّنا نتّخذها ليست من صُنعنا، وقد تكون أفكارنا ونوايانا قد نشأت من أسباب هامشية –عوامل طبيعية- لسنا مدركين لها ولا نستطيع التحكم بها، لذا لا نملك نحن الحرية التي نظنّ أنّنا نملكها، وربما تكون إراداتنا يتم تحديدها من قبل أسباب سابقة لسنا مسؤولين عنها، أو ربما أنها نتيجة للصدفة ولسنا مسؤولين عنها أيضًا.

ربما كان خيار الرجل في إطلاق النار على الرئيس نتيجة نمط معين أو نشاط عصبي، والذي بدوره نتيجة أسباب مسبقة، أو ربما مصادفة غير محظوظة من جينات سيئة أو طفولة غير سعيدة أو حتى مشاكل في النّوم، لذا ما الذي يعنيه أن نحكم على إرادة هذا الرجل بأنها حرة؟ حتى الآن لم يُقْدِم أحد على إيجاد طريقة تنشأ فيها العمليات العقلية والجسدية تشهد بها على وجود حرية كهذه.

– الأول هو أن يتصرف كل واحد منا بطريقة مختلفة عمّا فعل في الماضي.

– الثاني هو أننا المصدر الواعي لمُعظم أفكارنا وأفعالنا في الحاضر.


لا، الحقيقة هي أنّ حرية الإرادة لا تتطابق مع أي حقيقة شخصية عنّا، وسوف يبين لنا "سبر" أغوارها، أن أفعالنا التي تبدو مأخوذة عن إرادة ليست إلاّ أفعالاً تظهر على السّطح بشكل عفوي، ولا يمكن اقتفاء أثرها إلى نقطة الأصل في عقلنا الواعي، ولربما ستجعلك لحظة أو لحظتين من الفحص الدقيق لنفسك تلاحظ أنك لن تقرر فكرتك التالية التي تظنها غير الفكرة التي أكتبها أنا الآن.

     نحن نَعي جزءاً بسيطًا من المعلومات التي يعالجها دماغنا في كل لحظة، بالرغم من أننا نلاحظ باستمرار تغيّراً في تَجاربنا من أفكار وتقلّبات في المزاج والإدراك والسلوك إلخ…، إلا أننا غير واعين تماماً بالأحداث الفزيولوجية العصبية التي تسببها، بل الحقيقة، نحن لسنا إلا شهداء رديئين للتجربة نفسها، من خلال مجرد النظر إلى وجهك أو الاستماع إلى نغمة صوتك، حتى الآخرين يملكون في العادة وعياً أكبر بحالتك العقلية ودوافعك أكثر منك.


     أنت تبدأ يومك بشكل عام بكوب قهوة أو شاي، هذا الصباح بدأته بقهوة، لكن لماذا ليس الشاي، أنت لا تعرف لماذا، لكنك في ذلك الصباح رغبت بالقهوة أكثر من رغبتك بالشاي، وكنت حرًا بامتلاك ما رغبت، ولكن هل فَضّلت بكل وعي القهوة عن الشاي؟ لا، هذا الخيار صُنِع لك من قِبَل أحداث في دماغك والتي كنت شاهداً عليها وواعياً بها، والتي لم تعرف سببها أو تؤثر بها، وهل كان بإمكانك “تغيير رأيك” والتحويل إلى الشاي قبل أن يستحوذ شارب القهوة في داخلك على قهوته؟ نعم، لكن هذ الدافع – دافع التحويل من كأس قهوة إلى شاي – سوف يكون أيضاً نتيجة أسباب لا واعية، لماذا لم تظهر هذه الأسباب في الصباح؟ لماذا قد تظهر في المستقبل؟ لا تستطيع الإجابة، هنا نرى أن النية في فعل شيء واحد وليس الآخر لم تنشأ من وعيك لكن عوضًا عن ذلك ظهرت في وعيك تماماً كما أي فكرة أخرى أو دافع آخر تشهده كل يوم.


    استخدم عالم وظائف الأعضاء بينجامين ليبيت تخطيط أمواج الدماغ (التخطيط الكهربائي للدماغ أو EEG وهي طريقة غير متوغلة عادةً، لتسجيل النشاط الكهربائي للدماغ على طول فروة الرأس) ليظهر أن الأنشطة الحركية في قشرة الدماغ يمكن رصدها في حوالي 300 ملي ثانية قبل أن يشعر شخص أنه قرر أن يتحرك، وفي مختبر آخر وسعت أعماله باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي : طُلب من الأشخاص بأن يضغطوا على واحد من الأزرار أثناء مشاهدة ساعة تتألف من تسلسل عشوائي من الأحرف التي تظهر على الشاشة،

 ذكر الأشخاص أي حرف كان ظاهرًا في اللحظة التي قرروا أن يضغطوا إحدى الزرين، توصلت التجربة إلى منطقتين في الدماغ احتوتا على المعلومات فيما يخص أي الأزرار التي سوف يختارها الأشخاص في وقت يتراوح بين 7 إلى 10 ثوان قبل أن يتم اتخاذ القرار، ومؤخرًا، أظهرت التسجيلات المباشرة من قشرة الدماغ أن متابعة أنشطة ما يقارب 256 خلية عصبية كانت كافية للتنبؤ بدقة قدرها 80% في قرار الشخص بأن يتحرك قبل أن يُصبح واعيًا به ب 700 ملي ثانية.


    
     هذه النتائج يصعب توفيقها مع اعتقادنا بأننا المؤلفين الواعيين لأفعالنا، حيث تبدو الآن حقيقة واحدة لا تقبل الجدل، وهي أن في لحظة ما قبل أن تصبح واعيًا بما سوف تفعله تالياً، فإن عقلك قرر مسبقًا ما سوف تفعله، باستثناء أنك ستصبح واعيًا بهذا القرار.
الدماغ ليس إلا جهاز في جسمك، يخضع كاملًا لقوانين الطبيعة، ولدينا جميع الأسباب لكي نعتقد أن التغير في طريقة عمل دماغنا وبنيته سوف تنعكسان على أفكارنا وأفعالنا.


    إذا لم تكن تعلم ماذا سوف تفعل في اللحظة التالية، فإنك لست مسيطراً على نفسك، وهذا أمر واضح وحقيقيّ في جميع الحالات التي يتمنى شخص ما لو شعر أو تصرف بطريقة أخرى مما فعل، فكر بالملايين الذين ولدوا في بيئة لم يرغبوا بها... 
ترقبوا الجزء الثاني الذي يناقش بشكل شامل منضور جل مدارس علم النفس في حرية القرار. 

بقلم : محمد ورضي

أكتب تعليقا

أحدث أقدم