درب ذاكرتك وتغلب على مشكل النسيان

"الذاكرة بين تصورات ضعف الذاكرة و قوة تدريبها"

لطالما خلقت مشاكل الذاكرة من نسيان و صعوبة التذكر و حفظ المعلومات في الذاكرة و ما إلى ذلك تحديات أمام العديد ممن يعانون هذه المشاكل، إلا أن بعض الحقائق العلمية تتحدى ما يتصوره الناس بأنهم يعانون ضعف الذاكرة، و أفضت أنه لا وجود للنسيان أو للذاكرة الضعيفة و إنما هناك ذاكرة مدربة و ذاكرة غير مدربة.

تلعب الذاكرة دور تلك الخزانة التي نختزن بها كل المعلومات المهمة بالنسبة لنا، و كل أنواع الذاكرة غير المدربة لا تستطيع تخزين كل تلك المعلومات، فمن يستطيعون تذكر درس البارحة لا يستطيعون تذكر رقم البطاقة الوطنية، أو كلمة المرور لحسابات الأنترنت أو رقم الهاتف أو غير ذلك، و يوجد من يمتلكون ذاكرة جيدة جدا في الاحتفاظ بالمعلومات لكنها بطيئة أو لا تحتفظ بها لمدة طويلة من الوقت.

في حين تعتمد الذاكرة المدربة أولا و أساسا على الملاحظة، و هنا يجب علينا أن نفرق بين الرؤية و الملاحظة، فمثلا إننا نرى إشارة المرور عدة مرات باليوم لكن القليل منا من يستطيع ملاحظة أن الضوء الأحمر هو الموجود بالأعلى و الأخضر هو الموجود بالأسفل ولو قمت بسؤال أحد أصدقائك هذا ستجد بأنه رأى ذلك مرارا و تكرارا لكنه لم يلاحظ، نرى السنة المكتوبة على عملة الدرهم مرارا لكننا لا نتذكرها لأننا لم نلاحظ ذلك، عادة ما تكون ذاكرتنا عن أشياء مألوفة للغاية أسوء بكثير مما نتصور.

ثانيا، أساليب الربط الشعوري بين الأشياء، فكما يحصل أحيانا أننا عندما نصادف شيئا ما أوتوماتيكيا يذكرنا بشيء آخر أو شخص ما، هنا نحن لا نعلم أن الذاكرة قد قامت بربط هذان الشيئان لاشعوريا و نحن لم نلاحظ هذا، و هذا مايصطلح عليه الربط اللاشعوري، في حين أن الربط الشعوري يمكننا التدخل به، فمثلا عندما أذكر "سألتمونيها" الجميع يتذكر أنها كلمة مختصرة لحروف الزيادة أو شيئا متعلقا بقواعد النحو و كل من درسوا قواعد النحو في الإبتدائية لا يزالون يتذكرون هذا رغم ان الوقت الذي يفصل ذاك الوقت عن هذا ليس قصيرا، لكن الذاكرة تحتفظ به لأننا قمنا بربط شعوري بين قاعدة معروفة و كلمة لا دلالة لها لكن إذا فككنا حروف سألتمونيها سنحصل على الحروف التي استعصت أن تُحفظ مفككة، هذا مثال بسيط للربط الشعوري بين الأشياء، و تساعد هذه الأساليب كثيرا في الدراسة و العمل و أكثر الأنشطة أهمية بالنسبة لنا.

ثالثا، الإهتمام، فإذا كنت مهتما بإكمال مراجعة درس الفيزياء فلا يمكنك أن تستيقظ صباحا و أنت ناس لذلك فتذهب في نزهة، يشتكي الكثير من الطلبة أنهم لا يستطيعون حفظ بعض الدروس بسرعة أو لوقت طويل و لكن في المقابل هم يحفظون جميع أسماء اللاعبين في فريق ما لكرة القدم و ترتيبهم أيضا، لو كانت ذاكرتهم ضعيفة ما تذكروا كل تلك الأرقام و الأسماء ، لكن الفرق في الإهتمام، هم يهتمون بكرة القدم أكثر من الدروس المراد حفظها، و عدم تذكر الدرس بعد اجتياز الإمتحان لأن الاهتمام لم يكن بالدرس في حد ذاته و إنما بالامتحان.

رابعا، بذل مجهود، طريقة تدوين ما نريد تذكره على دفتر كي لا ننسى جدول أعمالنا خلال اليوم أو ما نحن مطالبون بعمله لا يساعد الذاكرة على عدم النسيان و إنما يساعدها على الكسل، لأنني عوض أن أستعمل ذاكرتي لتذكر شيء ما أكتب ذلك و لا أترك للذاكرة مجالا لبذل مجهود في التذكر.

خامسا، و قد أظهرت بعض الدراسات أن ربط الأشياء بصور ذهنية مثيرة للإنتباه أو مثيرة للسخرية يبلي بلاء حسنا في تدريب الذاكرة و ربط الأشياء ببعضها، ترابطا شعوريا، مثلا عندما تذهب للصيد دائما تأخد الصنارة و تنسى الكرسي فإذا قمنا بربط الصنارة بالكرسي بصورة ذهنية غريبة كأنك تجلس على الصنارة أو تصيد الكراسي يجعل منهما مترابطان ولا يمكن تذكر الواحد دون الآخر.

سادسا، نظرية الألوان، مثلا إذا استعصت عليك قراءة نص ما، أو يبدو لك الدرس مملا و يصعب حفظه في ذاكرتك بسهولة، يمكنك استعمال الألوان بالنسبة للجمل الأساسية. 
سابعا، تمرين الذاكرة بواسطة الألعاب الأكثر استعمالا للملاحظة و الحساب الذهني و حل المسائل الأكثر تعقيدا، هذا يجعل من الذاكرة تعمل أكثر مما اعتادت عليه.

ثامنا، استبدال النص بالكلمات الرئيسية، مثلا بدل أن أبذل مجهودا لحفظ نص أو خطاب ما يمكنني فقط قراءته و حفظ الكلمات الرئيسية للفقرات في الذاكرة ثم التوسع فيها أثناء الخطاب حينها فقط لن تتعثر في تذكر الكلمات لأنك لم تحفظ أيا منها أساسا، لكنك ستتذكرها لأنه حالما تتذكر الأمور الرئيسية فإن الأمور الفرعية سيتم تذكرها في وقتها المناسب، و إن التعثر أثناء الخطابات أو تقديم البحوث دائما يأتي حينما تقوم بحَفظ التقديم بذاكرتك كاملا لأنك أثناء التقديم تظل تفكر بالكلمة الموالية أو خائفا من نسيان الكلمة الموالية. 

تاسعا، حل مشكلة شرود الذهن، في كثير من الأحيان نقوم بأشياء بذهن شارد، أو بطريقة آلية بدون تفكير مما يجعلك لا تتذكر أين وضعت ربطة عنقك، أو هل أغلقت الباب أم لا، أو هل ضبطت المنبه قبل الخلود إلى النوم ، لأنك فعلت كل هذه الأشياء بطريقة آلية بدون تفكير، حسنا إن كل هذا ليس ذاكرة ضعيفة و قد قلنا سابقا أنه لا وجود لذاكرة ضعيفة و إنما هو شرود الذهن و عدم التفكير فيما نفعله، هنا سنلتجأ لفكرة الربط الشعوري السابقة و تكوين صور ذهنية مثيرة للانتباه أو للسخرية، إذا وضعت ملف العمل قرب المفتاح لن أنساه بالبيت، و إذا ربطت بين المفتاح و إغلاق الباب بصورة ذهنية غريبة سيجعلني أفكر بالأمر و لن أغلق الباب و أنا شارد الذهن، إذا رنّ هاتفي فأجبت بسرعة و وضعت القلم الذي كنت أمسكه خلف أذني سرعان ما سأنسى أين القلم و سأبحث عنه في المكتب برمته لكن لو ربطت بين القلم و أذني بصورة ذهنية مثيرة لن أنسى أين هو فقد أصبح القلم و أذني مرتبطان بصورة ما.

و أخيرا، الاسترخاء، الاسترخاء بعد التعرض لكمّ كبير من المعلومات يجعل الذاكرة تحتفظ و ترتب ما تريد تخزينه من معلومات بشكل جيد. 

بقلم : امال رمضي

المصادر لمزيد من المعلومات :
Lorayne, H.(1963). How to Develop a Super Power Memory.

Lorayne, H.(2000). The Complete Guide Of Memory Mastery. Frederick Fell. 

Foster, K. J. (2009). Memory. oxford University Press.

أكتب تعليقا

أحدث أقدم