"الصحة النفسية بين رهان التطور و عراقيل التصور"



يعتبر تخصص الصحة النفسية من أحدث تخصصات الطب الحديث، فهي مقارنة بطب القلب و الشرايين، السكر و الكلي وغيرها لا تزال في نعومة أظافرها.

بداية يجب أن لا نخلط بين الطب النفسي و علم النفس، فالأول يعتمد أكثر على الأدوية في علاج الإضطرابات السلوكية للفرد و اختلالات الخطاب الذي يصوغه لا من حيث الصبيب و لا من حيث التسلسل المنطقي في المحتوى، بينما الثاني يهتم بدراسة الشخص مرورا بمختلف مراحله العمرية بداية من الرضاعة إلى الإحتضار.

مع بداية العصور الوسطى بدأت ملامح الطب النفسي تظهر من خلال ممارسات لاإرادية اتجاه المرضى، و ارتبطت التأويلات و التفسيرات للمرض النفسي بالمرجعية العقائدية الدينية و الثقافية لكل مجتمع، فهناك من كان يعتبره عقاباً من الطبيعة و يتم نفي المريض اعتمادا على ذلك إلى مكان معزول عن الناس، فبنفس الكيفية كانوا يتعاملون مع مرضى الجدام أو داء السل على سبيل المثال، و هناك من كان يربط ذلك بالجن و الأشباح وهو اعتقاد لايزال قائماً في كثير من الدول.

قبل ظهور أول دواء في نهاية القرن التاسع عشر كانت تتم معالجة المرضى بطرق بدائية تتسم بالعنف و التعذيب، طرق كان الهدف منها إخماد نار  انفعالات المريض المقلقة بالنسبة لعامة الناس حيث كان يتم حقن المريض بنسب متفاوتة من الأنسولين من أجل إدخال الشخص في مرحلة غيبوبة التي لا تفتأ أحيانا حتى تدخله في موت محقق، بالإضافة إلى تخريب المنطقة المسؤولة عن الإضطرابات بالدماغ مما يؤدي إلى فقدان الشخص لبعض وظائفه الحيوية.

لا يزال الطب النفسي في ريعان شبابه مُتخبطاً بين محاولة إصلاح و تدارك الصورة النمطية للمريض النفسي بالمجتمع، حيث يتم نَفيُه خارج أسوار العائلة أو المجتمع على أنه شخص لم يعد مرغوب فيه أو " أحمق"، و بَيْنَ التطور المستمر من أجل إيجاد أدوية ذات أعراض جانبية ضئيلة إن لم نقل معندمة، أعراض في بعض الأحيان قد تكون خطيرة، حيث تم حظر تداول بعض الأدوية من البيع بشكل مطلق. 

من أجل مواكبة هاته التطورات و تحسين ظروف المريض النفسي ينصح الأخصائيون باعتماد التكوين المستمر للأطر الصحية والعمل على تحسيس المجتمع، خاصة البيئة التي يعيش فيها المريض النفسي و المتمثلة بالأساس في الأسرة والأقارب من أجل القضاء على تلك الصورة القاتمة المترسخة في أذهانهم و تسهيل إدماج المريض في الحياة.

بقلم : حفيظ بن التاج.
مراجعة : الفريق الفني للمعرفة now

1 تعليقات

  1. يجب التوعية بأهمية الإعتناء بالصحة الجسدية و النفسية على حد سواء.وأظن أن أشهر الحجر الصحي قد أظهر قلة وعي الكثير منا بأهمية الصحة النفسية و بكيفية التعامل مع إضطراباتها.

    ردحذف

إرسال تعليق

أحدث أقدم