كيف تصبح أبا ناجحا؟

"أن تكون أبا"


أن تُنجِب طِفلا لا يعني أنك مربّي أو أنك قادر على تربية طفلك بشكل صحيح، و لا يعني أنه يمكنك تصور مستقبله أو تخطيط مساره الدراسي. إنّ هذا الموقف شبيه بتلك اللحظة الأولى عندما يجد الشخص لنفسه لوح أبيض نقي ووسائل مختلفة للاشتغال عليه، يمكن أن يجعل منه لوحة جميلة تبهر الناظرين أو يصنع منه جماد يستعمله عند الحاجة، لِكُلّ هذه الأسباب وضع علماء وأخصائيو التربية قواعد وأساليب لضمان تنشئة سليمة وناجحة للطفل. إذا فما المقصود بمفهوم التربية؟ وما القواعد والأساليب المعتمدة فيها؟ 

كل التفسيرات والتعاريف لمفهوم التربية تصبّ في منحى التقدم،النمو، التنشئة، الرقي والتطور للأفضل، لهذا يمكننا اعتبار التربية العملية الهادفة المنسقة والموجهة للطفل بغية صقل شخصيته الانسانية والاجتماعية والثقافية، كذا تنمية مهاراته الإيجابية وكبح سلوكياته غير اللائقة أو توجيهها وتصحيحها، ويمكننا اعتبارها مجموع التفاعلات المساهمة في تنمية الفرد، من خلال المشاركة في كافة المجالات المجتمعية، والتي تعمل على تطوير المهارات العلمية والعملية.

-"الانسان ابن بيئته" مقولة شائعة في مجتمعاتنا الشعبية حيث تتداخل الوسائل وطرق التربية وتختلف من أسرة لأخرى ومن شخص لآخر، فمنهم من يرى القمع والزجر والضرب والعنف أفضل الوسائل وأنجعها، ومنهم من يقول أنّ الأمر مفوض للإله، فهو يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. في هذا الصدد يقول جون لوك في نظريته: (إن الإنسان يولد وعقله صفحة بيضاء، وكل ما يقوم به من سلوك هو عبارة عن شيء مكتسب من البيئة المحيطة). ولا شك أن تضارب الآراء هذا هو السبب في بروز الظواهر المجتمعية المتضادّة كالاحترام والاحتقار، الاجتهاد والكسل، البر بالوالدين والعقوق، كاتِّباع التعاليم الدينية والحفاظ على التراث المجتمعي، السرقة و الاجرام، التدخين وتعاطي المخدرات وسوء المعاملة، وأن انتشار الظواهر الرديئة هذه سببها التربية الخاطئة المعتمدة على أساليب العنف أو اللامبالاة، بالإضافة إلى الفهم الخاطئ لوسائل التربية ومبادئها، كذا العزوف عن التعلم من خلال البحث والمثابرة.


إن الطفل مادة خام يمكنك أيها المربّي أن تصنع منها ما تشاء إذا أنت أحسنت استعمال أدوات التربية التي تتمثل فيك وفي الأسرة ثم في المحيط الخارجي، فكيف تأمر طفلك بأن يذهب لغرفته ويحفظ ويجتهد وأنت مستلق على الأريكة تشاهد التلفاز، تنام وتستيقظ وقتما تشاء، بينما تحرص على نوم واستيقاظ طفلك مبكرا، تدخن وتتلفظ بكلام فاحش في المنزل أمام طفلك الذي تريده أن يصبح رجلا صالحا، فكن قدوة طفلك و اعلم أن التربية مسألة سلوكيات مرغوبة يجب تعزيزها وأخرى مرفوضة غير لائقة يجب تصحيحها وتوجيهها وأن أكبر نسب التعلم عند الطفل تتم عن طريق الملاحظة؛ فعندما تساعد فقيرا أمام ابنك فذلك يعدل ألف درس نظري عن الصدقة، و أن تضع القمامة في مكانها فهذا أبلغ من كل الخطب عن النظافة لأن التربية بالقدوة وليس بالتنظير .
-الأسرة هي أساس تنشئة الطفل، هي المدرسة الأولى التي تزوده بأكبر قدر من القيم التي تبني شخصيته والتي يتشرَّب منها العقيدةَ والأخلاق، والأفكار والعادات والتقاليد، إنها محطة حسّاسة ومصيرية توجه من خلالها طفلك ليكون مجتهدا أو كسولا، واثقا من نفسه أو محبطا، شجاعا أو جبانا... 
إليك بعض الأسس لتربية طفلك تربية سليمة :

1. وضع القواعد :


لا يجب أن تعاقب الطفل قبل وضع القواعد، عليك وضع قانون داخلي معه تجرد فيه السلوكيات غير المقبولة التي عليه تجنبها ،كذا السلوكيات الإيجابية التي عليه التحلي والتشبث بها.

2. تعزيز التفاعل الاجتماعي : 


يجب الجلوس مع الطفل، والإجابة عن أسئلته بتعدُّدها وتنوعها، الحديث معه في أحلامه وطموحاته، احترام عقلِه و عدم زجره أو نهره أمام الحاضرين، عدم مقارنته برفاقه المتفوقين عليه في الدراسة أو في العائلة لأن ذلك يحبطه ويقلل من شأنه كما يضعف ثقته بنفسه.


3. الاهتمام :


يجب أن نهتم بالمتغيرات حولنا من برامج تلفزيون وحاسوب وهاتف وألعاب،بالإضافة إلى الإطّلاع على أصدقاءه، فالمرء على دين خليله، لكن هذا لا يعني أن نجعل الطفل في سجن أعيننا نراقبه حيث ما حل وارتحل، بل يجب وضعه على مسافة الثقة والملاحظة خصوصا خلال فترة المراهقة، عندما يستمد الطفل استقلاليته ويبني شخصيته من محيطه.

4. المُصاحَبة :


تكمُن أهمية مُصاحَبة الطفل في بناء سُبُل المشاركة بينك وبينه من خلال مشاركة الأفكار ،الأحاسيس والاهتمامات، ثم مشاركة المشاكل والحلول في جو من المناقشة، الاحترام المتبادل، الحوار وقبول الاختلاف.


5.تحديد المشكل وفهمه :


في مسيرتك التربوية تجاه طفلك لابد من الاصطدام بالمشاكل ، والتي قد تكون سلوكية متمَثلة أساسا في تكرار أفعال وسلوكيات غير لائقة والعزوف عن أخرى صالحة مرغوب فيها، وقد تكون معرفيةكصعوبات واضطرابات التعلم أو التأخر الذهني، مما يؤدي إلى اضطرابات دراسية و تحصيل معرفي ضعيف .

بَعدَ تحديدك لمشكل الطفل وفهمه ما عليك سوى التدخل، إذا كان المشكل سلوكيا فحَلُّه في كبح السلوك غير اللائق وتعزيز الآخر المرغوب فيه، وإذا كان المشكل معرفيا عليك استشارة مختص والعمل على تمارين وتقنيات مُحددة لتنمية قدرات الطفل ومساعدته على تجاوز صعوباته أو اضطراباته الذهنية.
يُحيلنا مفهوم الاضطرابات المعرفية والسلوكية على موضوع التربية الخاصة، العملية المنسقة الهادفة والموجهة للطفل في وضعية صعبة. 
ستكون التربية الخاصة موضوع نقاشنا المقبل.
شكرا على اهتمامكم.


بقلم : أسامة أكيمي
مراجعة : القسم الفني للمعرفة now

أكتب تعليقا

أحدث أقدم