يعيش العالم اليوم على وقع أزمة
خانقة، بطلها فيروس كورونا المستجد (Covid-19 ) الذي دفع مجموعة من الدول إلى فرض حالة طوارئ و تبني إجراءات غير مسبوقة لتطويق الوباء و الخروج بأقل الأضرار ،فيما سارعت دول أخرى للنزول إلى حلبة السباق و خوض غمار المنافسة من خلال تطوير لقاح فعال في أقل مدة زمنية ممكنة .
هذا الفيروس الدقيق تمكن بين ليلة وضحاها من تغيير مسار العالم و شل إقتصاده في غضون أسابيع قليلة ، قوة الفيروس كانت في سرعة إنتشاره ما جعل من الصعب إحتواءه على الرغم من الإجراءت الإحترازية التي نهجتها الكثير من الدول منذ بداية إنتشاره . الفيروس أصبح في ظرفية صغيرة جائحة عالمية تحضى بإهتمام كل مكونات المجتمع حيث تضافرت كل الجهود و إتحدت كل الأجهزة و الآليات العلمية و المعرفية ضد عدو واحد لكن وفي ظل حركة شبه منعدمة في العديد من المناطق و تراجع مؤشرات الأنشطة البشرية بتجميد جزء كبير من الإقتصاد العالمي و بروز موجة جديدة شبيهة بالكساد العظيم الذي ميز ثلاثينيات القرن الماضي، كان لهذه الفترة الحرجة وقع إيجابي على الجانب البيئي حيث تميزت بإنخفاض ملحوظ لنسبة الإنبعاثات الغازية في اليوم الواحد إلى أن بلغت -17 بالمائة مع بداية شهر أبريل مقارنة بالسنة الماضية ، لكن هذه الإستراحة البيئية التي منحت للمعمورة تبقى نسبية لأن معدل النشاط البشري مرتبط أساسا بإنتهاء الأزمة و كسر القيود التي فرضت على الكثير من الأقطاب الصناعية الكبرى مما يحيل إلى صعود عمودي جديد مع إستئناف المحرك الصناعي عمله ، في هذا الصدد يتبنى مجموعة من خبراء البيئة رؤية متشائمة على مستقبل الأرض حيث صرح العديد منهم أن العالم مقبل على أزمة أكثر فتكا من كورونا وهو مشكل التغيرات المناخية الذي إعتبره البعض بمثابة القنبلة الموقوتة التي تستدعي الإهتمام العاجل لكي لا تسقط الأرض في مأزق اللاعودة .
خلال العقود الثلاثة الأخيرة أصبح مشكل التغيرات المناخية يأخد الحيز الأكبر ضمن المشاكل التي تواجه سكان الأرض مما ولد فصيلين متقابلين و نهج آراء متضاربة الصيت منها الملحة للبحث عن الحل الفوري لهذا الوباء البيئي القاتل والآخر المعارض الذي يدير ظهره للكارثة و يولي كل الإهتمام في السعي وراء زيادة الإنتاج و تصعيد التنافسية الصناعية .
بين مؤيد لضرورة أخد الحيطة و الحذر و إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تداعيات مستقبلية و من يجاهد لكسب الأفق الصناعية و الإقتصادية دون مراعاة الجانب الحيوي الذي يحتضن الحياة ويديرها في حلقة متناسقة الأطراف ، أضحى هذا المشكل محطة إهتمام للبعض خصوصا مع إزدياد الوضع ضراوة و توالي الموجات الحرارية الغير مسبوقة والتي تعتبر الأشد على كوكبنا منذ قرون بالإضافة إلى إرتفاع وثيرة الكوارث الطبيعية المتمثلة في الحرائق الغاباوية وما يصاحبها من تدمير للغطاء النباتي و الحيواني أبرزها على سبيل المثال ؛ الحرائق المتسلسلة التي إجتاحت كل من غابة الأمازون التي تعتبر أكبر غابة مطيرة في العالم كما تلعب دورا حيويا في التقليل من تداعيات الإحتباس الحراري ، من خلال إمتصاص ملايين الأطنان من غاز ثنائي أكسيد الكربون كل عام، و حرائق غابات أستراليا التي حصدت ملايين من الهكتارات كما لقي ما يزيد عن بليون حيوان حتفه فيما تأثرت ملايين الكائنات الحية من هول الحرائق ، النمو الديموغرافي المتسارع الذي يزيد هو الآخر الضغط على الموارد الطبيعية حيث تجاوز عدد سكان الأرض 7،6 مليار نسمة و كذا التراجع المهول في معدل الكائنات الحية حيث عرفت إنخفاض بمستوى 52 بالمائة في الفترة ما بين 1970 و2010 وهو معدل أسرع بكثير مما كان متوقعا حسب الصندوق العالمي للحياة البرية ، تفشي الأوبئة و الأمراض المصاحبة للتلوث المائي التي تمثلت في الكوليرا ( بالإنجليزية :cholera ) و الملاريا (بالإنجليزية :Malarya) و أنواع أخرى من الإلتهابات البكتيرية التي تأتي مع تلوث المياه خصوصا في المناطق التي تعاني الجفاف كدول إفريقيا و جنوب الصحراء ؛ فوفقا لتقارير عديدة فإن معدل الأفراد الذين يعانون من شح المياه الصالحة للشرب يزيد عن ملياري فرد حول العالم ، ثم التلوث الهوائي الذي يظهر جليا في كثير من مدن الهند و الصين خصوصا تلك التي تعج بالمصانع كنيودلهي بالهند و هوتان بالصين...
كل هذه المشاكل جاءت نتيجة لما خلفه السلوك المتهور للإنسان على مدى سنوات و عقود طويلة من خلال أنشطته التي تأتي وراء إنتاج الغازات الدفيئة الضارة كالميثان و ثنائي أكسيد الكربون اللذان يصاحبهما تغير في مكونات الغلاف الجوي وبالتالي الغوص في ما يعرف بظاهرة الإحتباس الحراري .
في ظل توالي الأزمات البيئية التي ترخي بظلالها عل هذا الكوكب تسلط الضوء بعض الحملات و الدعايات المنددة بمشكل التغيرات المناخية و الحفاظ على التنوع البيولوجي و أبرزها نجد قمة المناخ بباريس سنة 2015 كأول إتفاق يعقد بشأن المناخ و الذي جاء بعد إتفاقية كيوتو، إلى جانب أنشطة مرتبطة بالشأن البيئي و التي ترتكز بالخصوص على نشر الوعي البيئي في المجتمعات والدعوة إلى إستعمال الطاقات المتجددة بالإضافة إلى البحث عن طرق بديلة للتقليل من التلوث و إستنزاف الموارد الطبيعية كما تدعو إلى المحافظة على الكائنات الحية عبر تدبير مختلف النظم الإيكولوجية .
بقلم فاطمة الأعرابي
إرسال تعليق